The jQuery Example This will produce following result −

lundi 5 décembre 2016

فرسان أعلام أهل السنة والجماعة

أقوال السلف عن الصحابة:
أقوال السلف عن الصحابة د. سامية منيسي وردت صفات الصحابة أو فضائلهم في كتب الطبقات والأحاديث والسيرة، ومنها قول ابن حجر في الإصابة[1]: (إن معرفة كون الشخص صحابيًا تعود لأمرين: أولهما: العدالة لأن الصحابة كلهم عدول، والثاني: المعاصرة للنبي صلى الله عليه وسلم). ويقول أيضًا: (واتفق أهل السنَّة على أن الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة). ثم يورد ابن حجر الروايات المختلفة في فضل الصحابة وصفاتهم وما يرجحه البعض في الصحابة من كونهم قد رأوه في يوم الفتح أو في غزوة من الغزوات. ثم يوضح لنا ابن حجر شرط المعاصرة بقوله: (وأما الشرط الثاني وهو المعاصرة فيعتبر بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره لأصحابه: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها أحد" رواه البخاري، ومسلم من حديث ابن عمر[2]. أما محمد بن حزم فيقول عنهم[3]: (... وكلهم عدل إمام فاضل رضي، فرض علينا توقيرهم وتعظيمهم، وأن نستغفر لهم ونحبهم، وتمرة يتصدق بها أحدهم خير من صدقة أحدنا بما يملك، وجلسة من الواحد منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عبادة أحدنا دهره كله، وسواء أكان من ذكرنا على عهده صلى الله عليه وسلم صغيرًا أو بالغا فقد كان النعمان بن بشير، وعبد الله بن الزبير، والحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنهم أجمعين من أبناء العشر فأقل إذ مات النبي صلى الله عليه وسلم. أما الحسين فكان حينئذ ابن ست سنين إذ مات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان محمود ابن الربيع ابن خمس سنين إذ مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعقل مجَّة مجَّها النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه من ماء بئر دارهم، وكلهم معدودون في خيار الصحابة، مقبولون فيما رووا عنه صلى الله عليه وسلم أتم القبول، وسواء في ذلك الرجال والنساء والعبيد والأحرار. ثم يستطرد ابن حزم بقوله: (وكلهم عدول فاضل من أهل الجنة..). ثم يورد الآيات في فضل الصحابة[4] ويعقب بقوله: (... هذه مواعيد الله تعالى، ووعد الله مضمون تمامه، وكلهم ممن مات مؤمنا قد آمن وعمل الصالحات، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوا لي أصحابي، فلو كان لأحدكم مثل أحُد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه"[5]. ثم يضيف ابن حزم قائلاً: (قال قوم: إنه لا يكون صاحبًا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة لكن من تكررت صحبته. وهذا خطأ بيقين لأنه قول بلا برهان) [6]. كما يذكر ابن الأثير شيئًا عن صفاتهم بقوله[7]: (ولا خفاء على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن من تبوأ الدار والإيمان من المهاجرين والأنصار والسابقين إلى الإسلام والتابعين لهم بإحسان الذين شهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وسمعوا كلامه وشاهدوا أحواله ونقلوا ذلك إلى من بعدهم من الرجال والنساء من الأحرار والعبيد والإماء أولى بالضبط والحفظ، وهم الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون بتزكية الله سبحانه وتعالى لهم وثنائه عليهم؛ ولأن السنن التي عليها مدار تفصيل الأحكام ومعرفة الحلال والحرام إلى غير ذلك من أمور الدين، إنما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها، وأولهم والمقدم عليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشد جهلًا، وأعظم إنكارًا، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم هم وغيهم من الرواة، حتى يصح العمل بما رواه الثقات منهم، وتقوم به الحجة، فإن المجهول لا تصح روايته، ولا ينبغي العمل بما رواه، والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح؛ لأن الله عز وجل ورسوله زكّياهم وعدّلاهم...). أما ابن القيم الجوزية: فقد ذكر الصحابة وتلقيهم الرسالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ولما كان التلقي عنه صلى الله عليه وسلم على نوعين: نوع بواسطة ونوع بغير واسطة، وكان التلقي بلا واسطة حظّ أصحابه الذين حازوا قصبات السباق، واستولوا على الأمد، فلا طمع لأحد من الأمة بعدهم في اللحاق، ولكن المبرز من اتبع صراطهم المستقيم، واقتفي منهاجهم القويم، والمتخلف من عدل عن طريقهم ذات اليمين وذات الشمال، فذلك المنقطع التائه في بيداء المهالك والضلال، فأي خصلة خير لم يسبقوا إليها؟ وأي خطة رشد لم يستولوا عليها؟ تالله لقد وردوا رأس الماء من عين الحياة عذبًا صافيًا زلالًا وأيدوا قواعد الإسلام فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالًا، فتحوا القلوب بعدلهم بالقرآن والإيمان، والقُرى بالجهاد بالسيف والسنان، وألقوا إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصًا صافيًا، وكان سندهم فيه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين سندًا صحيحًا عاليًا...)[8]. ويستطرد ابن قيم الجوزية حديثه في فصل الشروط التي تجب فيمن يبلغ عن الله ورسوله[9] بقوله: (ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتم على العلم بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالمًا بما يبلغ، صادقًا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضي السيرة، عدلًا في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله...). ثم يشير إلى عدل الصحابة بقوله في فصل من بلَّغ عن الرسول[10]: (ثم قام بالفتوى بعده بركُ[11] الإسلام، وعصابة الإيمان، وعسكر القرآن، وجند الرحمن، أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم، ألين الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأحسنها بيانًا، وأصدقها إيمانًا، وأعمّها نصيحة، وأقربها إلى الله وسيلة، وكانوا بين مكثر منها ومُقل ومتوسط). أما ابن عبد البر في كتابه (الاستيعاب في أسماء الأصحاب) فقد وصف الصحابة بقوله: (... فهم خير القرون وخير أمة أخرجت للناس ثبت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته ولا تزكية أفضل من ذلك ولا تعديل أكمل منها، قال الله عز وجل ذكره: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ... ﴾ [الفتح ]. فهذه صفحة من بادر إلى تصديقه والإيمان به وآزره ونصره ولصق به وصحبه وليس كذلك جميع من رآه، ولا جميع من آمن به وسترى منازلهم من الدين والإيمان وفضائل ذوي الفضل والتقدم منهم، والله قد فضل بعض النبيين على بعض وكذلك سائر المرسلين والحمد لله رب العالمين...) [12]. كما ذكر عن ابن عباس في قول الله عز وجل: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ... ﴾ (النمل) قال: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم [13]. كما أشار ابن عبد البر إلى حديث عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: يا أبا محمد ما فرق بين المهاجرين الأولين (يعني وغيرهم)؟ قال: فرق بين القبلتين، فمن صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من المهاجرين الأولين[14]. [1] انظر ص8- 14. [2] المرجع السابق، اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (كتاب فضائل الصحابة)، وصحيح البخاري، كتاب العلم، باب السمر في العلم، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم. [3] الإحكام في أصول الأحكام ج2 ص86. [4] سنذكر الآيات في فضل الصحابة في حينها فيما بعد (إن شاء الله). [5] انظر أيضًا الحديث في صحيح البخاري، أخرجه في كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كنت متخذًا خليلًا، وصحيح مسلم في كتاب: فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة (رضي الله عنهم). [6] نفس المصدر. [7] أسد الغابة ج1 ص9، 10. [8] إعلام الموقعين عن رب العالمين ج1 ص5، 6. [9] المرجع السابق ص10. [10] إعلام الموقعين ص11. [11] البرك: صدر كل شيء والمراد أنهم المقدمون من المؤمنين يقصد بهم الصحابة رضي الله عنهم. [12] ج1 ص2. [13] المرجع السابق. [14] نفس المرجع.

محمد أجاب ربا دعاه:
محمد أجاب ربا دعاه محمد نصر ليله نرى النور في الكون كله ساطعًا، والبرية ما زالت بضياه تهتدي، محمد خيرُ خلق الله كلهم، خاتم الرسل، والشفيع للأمةِ (صلى الله عليه وسلم). لو تيسَّر لنا أن نعود بالزمن إلى الخلف، إلى حقب الظلام، إلى عصور الجهل والطغيان، لوجدنا البشرية قابعةً في غابة استوائية كثيرة المستنقعات ذات وَحَلٍ، متشابكة الأغصان، نهارها كليلِها أسودُ مظلم، لا يصل نور الشمس إلى أرضها، ليلها أشد سوادًا، إذا أخرَجْتَ يدك لم تكَدْ تراها! ولمَ لا والأرض كلها في جاهلية ظلماء، وعصبية جهلاء، وقادتها ذوو عقولٍ خرقاء؟! وفي وسط هذه الظلمة، ورغم شدة العتمة، ومع زيغ الأبصار والأفئدة، أُرسِل نورٌ من عند الله ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]، فأنارت الأرض بنورِ كتاب ربها الذي أنزله على نبيِّه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وتبدَّدت ظُلمات الجاهلية، وانقشعت عتمتُها، وصار ميزان الحكم بين الناس كتاب الله، ومصدر الحكم الشرع المُحمدي الذي آتاه الله إياه، وظل خاتم النبيين يدعو إلى الله لا يَكِل ولا يَمَل، إلى أن أتاه المنادي فأجاب ربًّا دعاه. انتصف النهار، اليوم - على الراجح عند أهل العلم، وقد ذكر ابن كثير أقوالهم كاملة في البداية والنهاية[1] - هو يوم "الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام 11 هـ"[2]. كأننا الآن في وسط الجموع الهادرة التي تنتظر بالمسجد النبوي، لتطمئنَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يُمَرَّضُ في حجرة ابنة الصديق عائشةَ رضي الله عنها وعن أبيها، الوجوهُ ساهمة، والأبصار متعلِّقة بباب الحجرة، تكاد مِن سكون الناس أن تسمع دقات قلوبهم وأصوات أنفاسهم، يتمنَّى الجميع رؤيةَ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لتنشرح صدورهم ببهاء وجهِه صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوعَك وعكًا شديدًا، بل يُوعك كما يُوعك الرجلان منَّا؛ أخبرنا بذلك ابن مسعود[3]. إلى أن سمعوا ما ساءهم، فأصابهم المصاب، ونزلت بهم النازلة، وألمَّت بهم الفاجعة، "قُبضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم!"، ولكن سُنَّة الله في خلقه ماضية: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ ﴾ [الأنبياء: 34]، ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ [الرحمن: 26]، ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88]، إنَّها ساعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ﴾ [الزمر: 30]. ساعتَها ذهل ذوو الألباب الثابتة، وأُقعد ذوو الأجساد الصلبة، وطاشت الأفئدة العاقلة، وكادت قلوب المؤمنين ترتجف، بل ارتجفت بالفعل؛ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال ابن رجب: "ولَمَّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون، فمنهم مَن دهش فخُولِط، ومنهم من أُقعد فلم يطق القيام، ومنهم مَن اعتُقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم مَن أنكر موته بالكلية"[4]. في ذلك اليوم كانت أشد النوازل التي كادت أن تكسر شوكة الإسلام، بل كادت أن تستأصل تلك الحادثة شَأْفَته، لولا لطف الله بعباده، فسخَّر الله لتلك الأمة ذلك الطَّوْدَ الراسي، والجبل الشامخ، الصديق أبا بكر رضي الله عنه. وإننا مهما أكثرنا الوصف لنستشعر شدَّة المصاب، فلن نستطيع أخذ فؤادك إلى تلك الدرجة من الصدمة التي أصابت قلوبَ أهل بدر وأُحُد والخندق، وأصحاب بَيْعة العقبة وبيعة الرضوان، وجنود جيش العُسْرة، لن تبلغ الكلمات تلك الدِّقة لتصف آهات الأنصار، ولا أنَّات المهاجرين، فالمصاب جَلَل، والحدث جد خطير؛ لذا فإنَّا سنرى شدة الفاجعة بمشهد هام، ألا وهو أثر ذلك الخبر على قلب رجل شديد، وإننا إن بحثنا عن أشد القلوب وأكثرها رسوخًا، فلن نجد بعد قلب أبي بكر إلا قلبَ الفاروق عمر. قال ابن إسحاق - بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال -: لما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب، فقال: "إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تُوفي، وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلةً ثم رجَع إليهم بعد أن قيل قد مات، ووالله ليرجعنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فليقطعنَّ أيدي رجالٍ وأرجلَهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات"[5]. وظل عمر يُهدِّد ويتوعَّد مَن يقول بموت الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى أن جاء أبو بكر الصديق، فخرج أبو بكر، وعمرُ يتكلَّم في الناس ويتوعد مَن قال بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اجلِسْ يا عمر، فأبى عمر أن يجلس، فأقبَل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أما بعد، فمن كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومَن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، قال الله: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144][6]. اسمَعْ مقالة عمر بقلبك وروحك، قال عمر: "والله ما هو إلا أن سمِعتُ أبا بكر تلاها، فعقرتُ حتى ما تُقِلُّني رِجلاي، وحتى أهويتُ إلى الأرض حين سمعتُه تلاها، وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات"[7]. هكذا كان حال الرجل الشديد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لك أن تنظر إلى حال الفاروق عمر، وهو مَن هو، هو بابٌ بيننا وبين الفتن، ورغم ذلك كاد أن يُفتن لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من عِظم المصاب، أُغرقت بيوتات المدينة وطرقاتها وساحاتها بدموعٍ منهمرة، كانت كالأنهار الجارية، حتى كادت مآقي العيون أن تجف! • وإلى مشهد آخر مع مؤذِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلال): لما انتقل الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وحان وقت الصلاة، قام بلالٌ يُؤذن في الناس - والنبي صلى الله عليه وسلم مُسَجًّى لم يُدفن بعد - فلما وصل إلى قوله: (أشهد أن محمدًا رسول الله) خنقته العبرات، واحتبس صوته في حلقه، وأجهش المسلمون بالبكاء، وأغرقوا في النحيب، ثم أذَّن بعد ذلك ثلاثة أيام، فكان كلما وصل إلى قوله: (أشهد أن محمدًا رسول الله) بكى وأبكى، عند ذلك طلب من أبي بكر خليفة رسول الله أن يعفيه من الأذان بعد أن أصبح لا يحتمله، ثم خرج إلى الشام بعد أن استأذن أبا بكر، وكان قد تعهَّد ألا يُؤذِّن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن قدِمَ عمرُ بلاد الشام، فلقي بلالًا بعد غياب طويل، وكان شديد الشوق إليه، عظيمَ الإجلال له، وهناك عزم الصحابة على بلال أن يؤذن في حضرة الفاروق، فما أن ارتفع صوته بالأذان حتى بكى عمر وبكى معه الصحابة، حتى اخضلَّت اللِّحى بالدموع، وحين حضرت بلالًا الوفاةُ كان يفتح عينيه وهو يقول: "وافَرَحَاه، غدًا نلقى الأحبة، محمدًا وصحبه!"، إلى أن فاضت روحه[8]. حتى إن ابن هشام رحمه الله تعالى قد ذكر من ذلك الكثير تحت عنوان "افتتان المسلمين بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم" في كتابه السيرة النبوية[9]. ولقد رثى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم غيرُ واحد من الصحابة، بل رثاه بعضهم في أكثر من قصيدة، مِن هؤلاء كان حسان بن ثابت رضي الله عنه في قصائد مِن عيون شعر الرثاء، قال في إحداها: ما بالُ عينِك لا تنامُ كأنَّما كُحِلتْ مآقيها بكُحْلِ الأَرمدِ جزعًا على المَهْديِّ أصبح ثاويًا يا خيرَ مَن وَطِئ الحَصى لا تَبعُدِ وَجْهِي يَقيك التُّرْبَ لَهْفِي لَيْتَني غُيِّبتُ قَبْلَكَ في بقيعِ الغَرقدِ بأبي وأمِّي مَنْ شهِدتُ وفاتَهُ في يومِ الاثنينِ النَّبي المُهْتَدِي فظللتُ بعدَ وفاته متلبِّدًا مُتَلددًا يا ليتني لم أُولَدِ[10] وإذا أردنا أن نضع أبيات مَن رثى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقصائدَهم أمام نُقَّاد الشعر، لَتحيَّروا من صدق دموع ناظميها، ولتَعَجَّبوا من صوت البكاء الذي ما زال يتردد في أبياتها، ولَكَادت تذرف أعينهم بالدموع؛ لِما سيرون من أشجان وُضعت وسُطرت فيها! أنذكر رثاء عمَّتِه صفيةَ له، أم رثاء الحارث ابن عمه له، أم رثاء الصديق له... إلخ؟! لكن إن سألتَني عن أكثر ما قيل بلاغةً في ذلك الحادث، وأشده أسًى، فهو قول فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما مات أبوها صلى الله عليه وسلم قالت: "يا أبتاه، أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه، مَنْ جنةُ الفردوس مأواه، يا أبتاه، إلى جبريل نَنْعاه!"[11]. محمد رسول الله، نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت أسأل الله أن يجمعنا بك في جنته ودار مقامته [1] البداية والنهاية؛ الحافظ ابن كثير، ط/ دار المعارف، بيروت، 1980 ج/ 5، ص (254، 255). [2] السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث؛ للدكتور علي محمد الصلابي، ط/ دار ابن رجب، 2015م، ص 1076. [3] حديث رقم 5648 صحيح البخاري؛ الإمام محمد بن إسماعيل البخاري؛ ت 256هـ، ط/ مكتبة الإمام مسلم؛ 2015م. [4] السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث؛ للدكتور علي محمد الصلابي، ط/ دار ابن رجب، 2015م، (1/ 1077). [5] السيرة النبوية؛ لابن هشام، ط/ دار ابن رجب، 2003، (2/ 447). [6] حديث رقم 4454، صحيح البخاري، الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، ت 256هـ، ط/ مكتبة الإمام مسلم، 2015م. [7] المصدر السابق برقمه. [8] صور من حياة الصحابة؛ للدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا، ط/ دار الأدب الإسلامي، 2010م، (1/ 310). [9] السيرة النبوية؛ لابن هشام، ط/ دار ابن رجب، 2003، (2/ 455). [10] المصدر السابق. [11] حديث رقم (4462)؛ صحيح البخاري، الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، ت 256هـ، ط/ مكتبة الإمام مسلم، 2015م. .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Login :

Open a popup window

¬½¼ö¡«»▓│┤┼:

CSS Logo

´*♫‼♣◄ò♦ƒôÐ‼$:

هل تعلم أن الحسن بن علي قد طعنه شيعته بخنجر في فخذه وسموه بمذل المؤمنين . راجع كتاب ( بحار الأنوار) للمجلسي 44 / 24 . وكتاب ( دلائل الإمامة ) للطبري.. هل تعلم أن قاتل الحسين شمر بن ذي الجوشن كان من شيعة علي . راجع كتاب ( سفينة البحار) لعباس القمي 4 / 492 ...أن الحسن والحسين ا: فقد سمى كل واحد منهم أولاده بأبي بكر وعمر . راجع كتاب ( إعلام الورى ) للطبرسي صفحة 213 ، وكتاب ( مقاتل الطالبيين ) للأصفهاني 92 .