The jQuery Example This will produce following result −

mercredi 7 décembre 2016

إتحاف الأريب بسقوط شبهات أهل الصليب


إتحاف الأريب بسقوط شبهات أهل الصليب الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه. أمَّا بعدُ: ذكرنا في المرة السابقة بعض شبهات أعداء الله من النصارى، التي يُلقونها على الأغرار من المسلمين، تشكيكًا لهم في دينهم، بعد عجزهم عن تنصيرهم؛ وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء}[النساء:89]، بل بعدما عجزوا عن صد أتباعهم عن التسرب من النصرانية والدخول في الإسلام، وزادت صدمتهم بعدما نشر "الفاتيكان" عبر موقعه الإلكتروني ما يوافق تقرير مركز "بيو" الأمريكي للأبحاث أن عدد الأقباط المصريين أربعة ملايين ونصف مليون. ونذكر في هذا المقال بعضًا آخر من شبهاتهم المتهافتة: - العدْوى غير مثبتة ومعروفة علميًّا! ففي حديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((لا عدْوى ولا صفَر ولا هامة)). إذًا؛ هذه الأحاديث تُثبت نفْي محمَّد للأمراض المُعْدية كلِّها، وتناقل الأمراض بين البشَر عن طريق العدْوى، وهذا خطأٌ علْمي؛ فالعدوى موجودة، وهي سبب خوفِنا حاليًّا من انتشار مرض إنفلونزا الخنازير. يقولون: ومما يدل على العجز العلمي بخصوص الأمراض المعْدية وانتِشارها بالعدوى: أن تعدُّد الزَّوجات وملك اليمين، حلال في الإسلام. فلو أنَّ مسلمًا ذهب للجِهاد، ومن الغنائم أخذ إحدى السَّبايا وعاشرها، وهو لا يعرف شيئًا عنْها، ولا مَن كانت تعاشِرُه، وهو بكل بساطة ينكحها، فهذا يؤدي إلى العدوى بأمْراضٍ كثيرة، والأخطر من ذلك سيؤدِّي إلى انتِشارها إلى كلِّ الزَّوجات والسَّبايا، بل وأولاده، لو كان هذا أمرًا إلهيًّا، لكان أدرك هذا الخطأ الفادح، لكنَّه لم يؤمن بالعدوى. أيضًا: حديث الذُّبابة يؤكِّد أنَّه لم يسمع بالعدْوى. فلو أن ذبابة فيها تيفود، المفْروض أنَّ المسلم يضَع الذُّبابة كلَّها في الماء كي يأخُذ العلاج؛ لأنَّ جناحًا فيه الدَّاء والثاني فيه الدَّواء. وأيضًا: حديث بئر بضاعة النجِس، كان الرَّسول يذهب يتوضَّأ ويشرب منه، هذا البئر كان للمخلَّفات: كلاب ميتة، ودم حيض، ولمَّا قال النَّاس هذا، أجاب: أنَّ الماء من عند الله، ولا يلوثه أي شيء. وكان يمصُّ الألسنة، وكذلك شرب بول البعير، وبول الرسول، والنُّخامة، كل هذا دليلٌ أنَّ الرَّسول لَم يؤمِن بالعدْوى. فالصورة كلَّها: يشْرب من ماء به ذباب وحمار، وبعد هذا يغْسل نفسَه بماء ملوَّث، ولمَّا يمرض يشْرب بول بعير، ويروح ينام مع الأربع وباقي الجواري كي يعديهم. فلو أنَّ المسلم يريد أن يقول: إنَّ هناك إعجازًا علميًّا، الإعجاز أنَّهم عاشوا ولَم يَموتوا مُباشرة من هذه التعاليم!". وقبل الجواب على هذه الشبهات ودحْضها، وبيان تهافُتها - بحول الله وقوَّته - يحسُن تقْديمُ مقدّمات يليق أن تُذكر هنا لينكشف سرّ الجواب: المقدمة الأولى: أنَّ الشَّريعة الإسلاميَّة مبنيَّة على موافقة السَّمع الصَّحيح - وهو قول المعصوم الَّذي لا يجوز أن يكون في خبره كذبٌ، لا عمدًا ولا خطأ - للمعْقول الصَّريح - وهو ما كان ثابتًا أو منتفيًا في نفس الأمر، لا بحسب إدراك شخص معين - فلا تناقُض في الإسلام بين معقولٍ صريحٍ ومنقول صحيح، وإنَّما يَظنُّ تعارُضَهما مَن يعارض الدلالات العقليَّة الصَّريحة من السوفسطائيَّة وأمثالهم، أو مَن يظنُّ تعارُض الأدلَّة السمعيَّة، وكثيرًا ما تشتبِه وتتعارض الدلالات عند مَن تخطفه الشُّبهات، والآفة حينئذٍ، من إدراكه هو لا مِن المُدرك نفسه، كالأحْول الَّذي يرى الواحد اثنين، والممْرور الَّذي يجِد الحلْو مرًّا، وما شابه. أمَّا مَن استقام عقلُه وسلِم من المباهتة والسفْسطة، علم أنَّ الشَّرع لا يأتي بشيء تُحيله العقول البتَّة، فيستحيل أن يتعارض دليلانِ قطعيَّان عقليَّان، ولا سمعيَّان، ولا سمعي وعقلي - ولكن مَن لم يفهم حقيقة القولَين يظنُّ تعارُضَهما؛ لعدم فهمِه، لفساد أحدهما. وقد دعا الله عبادَه في القرآن الكريم إلى معرِفَته عن طريقين: النَّظر في مفعولاته، والتَّفكُّر في آياته المشْهودة، والمسموعة المعقولة، وتدبُّرها. ولكن قد يوجد في النَّاس مَن اكتسب عقْل الفِكْر - الَّذي محله الدِّماغ - وفَقَد عقل الهداية - الَّذي محلُّه القلْب - أو العكس، كما في كثيرين من عباد الصليب. ومعرفة الله لا تتمُّ إلاَّ بالعقْل والقلب معًا، ومَن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور. قال شيخ الإسلام في "درء تعَارُض العَقل والنَّقْل" (ج1 /ص 96): "ما عُلِم بصريح العقْل لا يتصوَّر أن يعارضه الشَّرع البتَّة، بل المنقول الصَّحيح لا يُعارِضُه معقول صريح قط، وقد تأمَّلت ذلك في عامَّة ما تنازع النَّاس فيه، فوجدت ما خالف النُّصوص الصَّحيحة الصَّريحة شبهات فاسدة، يعلم بالعقْل بطلانها، بل يُعلم بالعقْل ثبوتُ نقيضِها الموافق للشَّرع، وهذا تأمَّلته في مسائل الأُصول الكبار، كمسائل التَّوحيد والصِّفات، ومسائل القدر والنبوَّات، والمعاد وغير ذلك، ووجدت ما يعلم بصريح العقْل لَم يخالفْه سمعٌ قطُّ، بل السَّمع الذي يقال: إنَّه يخالفه إمَّا حديثٌ موضوع، أو دلالة ضعيفة؛ فلا يصلح أن يكونَ دليلاً لو تجرَّد عن معارضة العقْل الصَّريح، فكيف إذا خالفَه صريح المعقول؟!". وقال (ج1 /ص 98): "فلا يعلم حديثٌ واحد يُخالف العقْل أو السَّمع الصَّحيح إلاَّ وهو عند أهل العِلم ضعيف؛ بل موضوع، بل لا يُعلم حديث صحيح عن النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - في الأمْر والنَّهي أجمع المسلِمون على تركِه إلاَّ أن يكون له حديثٌ صحيح يدلُّ على أنَّه منسوخ، ولا يعلم عن النَّبيّ - صلى الله عليْه وسلَّم - حديثٌ صحيح أجْمع المسلِمون على نقيضِه، فضلاً عن أن يكون نقيضه معلومًا بالعقْل الصَّريح البيِّن لعامَّة العقلاء، فإنَّ ما يعلم بالعقْل الصَّريح البيِّن، أظهرُ ممَّا لا يعلم إلاَّ بالإجْماع ونحوِه من الأدلَّة السَّمعيَّة. فإذا لم يوجد في الأحاديث الصَّحيحة ما يعلم نقيضُه بالأدلَّة الخفيَّة - كالإجماع ونحوه - فأنْ لا يكون فيها ما يعلم نقيضُه بالعقْل الصَّريح الظَّاهر أوْلى وأحْرى، ولكن عامَّة موارد التعارُض هي من الأمور الخفيَّة المشتبهة الَّتي يحار فيها كثيرٌ من العقلاء، كمسائل أسماء الله وصفاته وأفعالِه، وما بعد الموت من الثَّواب والعِقاب، والجنَّة والنَّار، والعرش والكرسي، وعامَّة ذلك من أنباء الغيْب التي تقصر عقول أكثرِ العُقلاء عن تحقيق معرِفَتها بمجرَّد رأيهم؛ ولهذا كان عامَّة الخائِضين فيها بمجرَّد رأيِهم إمَّا متنازعين مختلفين، وإمَّا حيارى متهوِّكين". وقال (ج1 /ص 100): "بل نقول قولاً عامًّا كلّيًّا: إنَّ النُّصوص الثابتة عن الرَّسول - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لَم يُعارِضها قطّ صريحٌ معقول، فضْلاً عن أن يكون مقدَّمًا عليْها، وإنَّما الَّذي يُعارضها شُبه وخيالات مبْناها على معانٍ مُتشابهة، وألفاظ مجملة، فمتى وقع الاستِفْسار والبيان، ظهر أنَّ ما عارضها شُبهٌ سوفسطائيَّة، لا براهين عقليَّة". المقدِّمة الثانية: أنَّ القرآن والسنَّة قد اتَّفقا على إثبات قاعدة الأسباب وارتِباطها بمسبباتِها، ولكنَّ السبب لا يستقلُّ بالحادث حتَّى ينتفي المانع ويأذن الله، ونصوص ربْط الأسباب بمسبّباتها شرعًا وقدرًا، وجعل الأسباب محلَّ حكمتِه في أمره الدّيني والشَّرعي، وأمْره الكوني القدَري، ومحل ملكه وتصرُّفه - ممَّا يعجز المرءُ عن حصْرِها، ومَن قرأ القرآن الكريم ونظَر في السنَّة المشرَّفة، علِم أنَّ إنكار الأسْباب والقُوى والطَّبائع جحْدٌ للضَّروريَّات، وقدْحٌ في العقول والفِطَر، ومُكابرة للحسِّ وجحد للشَّرائع، فجَعَل - سبحانه - مصالحَ العباد في معاشِهم ومعادهم، والثَّواب والعقاب، والحدود والكفَّارات، والأوامر والنَّواهي، والحلّ والحرمة، جعل كلَّ ذلك مرتبطًا بالأسباب، قائمًا بها، بل العبد نفسه وصفاته وأفعاله سببٌ لِما يصدر عنْه، بل الموجودات كلّها أسباب ومسببات، والشَّرع كلّه أسباب ومسببات، والمقادير أسباب ومسببات؛ كقوله تعالى: {بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ} [آل عمران: 79]، {بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف: 39]، {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10]، {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]، {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ} [الحاقة: 24]، {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ: 26]، {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 160، 161]، {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ} إلى قوله: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [النساء: 155 - 157]، وقوله: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13]، وقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159]، وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ} [غافر: 22]، وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا البَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ} [محمد: 3]، وقوله: {فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً} [الحاقة: 10]، وقوله: {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ المُهْلَكِينَ} [المؤمنون: 48]، {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [المزمل: 16]، {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الشمس: 14]، وقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ} [الزخرف: 55، 56]، وقوله: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ} [ق: 9]، وقوله: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 57]، وقوله: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} [المائدة: 16]، وقوله: {قَاتِلُوَهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ} الآية [التوبة: 14]، وقوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ المُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَباًّ وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ: 14 - 16]. وكل موضع رتّب فيه الحكم الشَّرعي أو الجزائي على الوصف أفاد كونه سببًا له؛ كقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ} [المائدة: 38]، وقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، وقوله: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]، وقوله: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88]، وهذا أكثَر من أن يستوْعَب. وكلّ موضع تضمَّن الشَّرط والجزاء أفاد سببه الشرط والجزاء؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال: 29]، وقوله: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]. وكل موضع رتَّب فيه الحكم على ما قبْله بحرف الفاء أو غيره، أفاد التسبُّب، وكل موضع تقدَّم وذكرت فيه الباء تعليلاً لما قبلها بما بعدَها، أفاد التسبُّب، وكل موضع صرّح فيه بأنَّ كذا جزاءٌ لكذا، أفاد التسبيب؛ فإنَّ العلَّة الغائيَّة علَّة للعلَّة الفاعليَّة؛ قال تعالى عن ذي القرنين: {وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} [الكهف: 84]، قال ابن عبَّاس: "عِلْمًا"، وقال قتادة وابن زيد وابن جريج والضحَّاك: "علمًا تسبَّب به إلى ما يُريد"، وقال كثيرٌ من المفسِّرين: آتيناه من كل ما بالخلق إليه حاجة علمًا ومعونةً له. وقوله: {فَأَتْبَعَ سَبَباً} [الكهف: 85]، قال مجاهد: طريقًا؛ أي: أتْبع سببًا من تلك الأسباب التي أُوتيها ممَّا يوصِّلُه إلى مقصوده. وكقوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102]، وقال تعالى: {فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ} [يوسف: 47]، وهما نص في قاعدة الأخذ بالأسباب. والسنَّة المشرفة مليئةٌ بذلك؛ فقد ظاهرَ النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - بين درعَين، وشاور طبيبَين، وعالج سعد بن معاذ بكيه في أكحله، ولمَّا خرج إلى الطَّائف لم يقدِر على دخول مكَّة حتَّى بعث إلى المطعم بن عدي وكان كافرًا، فقال: ((أَدخل في جوارِك))، وقد كان يُمكنه أن يدخُل متوكِّلاً بلا سبب. بل الإعراض عن الأسباب، دفع لحكمة الله؛ والتَّداوي من هذا الباب، فندب إليه الشارع؛ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ما أنزل الله داءً إلاَّ وأنزل له دواء؛ فتداوَوا))، وقد كوى - عليْه الصَّلاة السَّلام - ابن زرارة، ورقى الكثيرين، وشرع لأمته الرقية. وبعث - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى أُبَيِّ بْنِ كعبٍ طبيبًا، فقطع منه عِرْقًا، ثُمَّ كَواه عليه؛ رواه مسلم. وأمر - صلَّى الله عليه وسلَّم - عرفجةَ بن أسعد - لما قُطِعَ أنفُه يوم الكُلاب – أن يتخذ أنفًا من ذهَب؛ رواه أبو داود وغيره. والحاصل: أنَّك لن تجِد كتابًا من الكتُب أعظم إثباتًا للأسْباب من القرآن الكريم، وإذا كان الله خالق السَّبب والمسبب، وهو الَّذي جعل هذا سببًا لهذا، والأسباب والمسببات طوع مشيئته وقدرته، منقادة لحكمه، إن شاء أن يبطل سببيَّة الشيء أبطلها؛ كما أبطل إحْراق النَّار عن خليلِه إبراهيم، وإغراق الماء عن كليمِه موسى وقومه، وكما أبطل ذبح السكين عن نبيه إسماعيل، وإن شاء أقام لتلك الأسْباب موانع تمنع تأثيرَها مع بقاء قواها، وإن شاء خلَّى بيْنها وبين اقتِضائه لآثارها، ولا يستقلُّ سبب بِحادث؛ فهو - سبحانه - يفعل هذا وهذا وهذا! فأي قدحٍ يوجب ذلك في الإسلام بوجْهٍ من الوجوه، فإذا توافر السَّبب، وانتفى المانع، وأذِنَ الله - حدث الحدث. ولكن ضعفاء العقول إذا سمِعوا تلك التَّهويشات من أعداء الرُّسُل، من أنَّ المسلمين يبطلون عمَلَ الأسباب بقولهم: "لا عدوى"، ولم يدرِ المستمِع وجْهَ الحديث، ولا ألاعيبَ وأكاذيب أعداء الرُّسل والتوحيد - أحدث في قلبه رِيبةً؛ لأنه لا يوجد شيءٌ أعظم جنايةً على الشَّرائع والنبوَّات والتَّوحيد من إيهام النَّاس أنَّ المسلمين - أهْل التَّوحيد والدين الحق - ينكرون الأسْباب، فإذا رأوا تلك التهويشات، ساءت ظنونُهم بالإسلام، وبمَن جاء به، ولم يدْروا أنَّ ما نفاه النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في قوله: ((لا عدوى ولا صفر ولا هامة)) غير ما أثبته في قوله: ((لا يوردن ممرضٌ على مصح)).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Login :

Open a popup window

¬½¼ö¡«»▓│┤┼:

CSS Logo

´*♫‼♣◄ò♦ƒôÐ‼$:

هل تعلم أن الحسن بن علي قد طعنه شيعته بخنجر في فخذه وسموه بمذل المؤمنين . راجع كتاب ( بحار الأنوار) للمجلسي 44 / 24 . وكتاب ( دلائل الإمامة ) للطبري.. هل تعلم أن قاتل الحسين شمر بن ذي الجوشن كان من شيعة علي . راجع كتاب ( سفينة البحار) لعباس القمي 4 / 492 ...أن الحسن والحسين ا: فقد سمى كل واحد منهم أولاده بأبي بكر وعمر . راجع كتاب ( إعلام الورى ) للطبرسي صفحة 213 ، وكتاب ( مقاتل الطالبيين ) للأصفهاني 92 .